صنصال وداوود: ما وراء المعارضة ، خطابات « رجعية »

بقلم فارس لونيس*

  ديسمبر 11, Algeria-Watch, ترجمة

إن سجن بوعلام صنصال هو انحراف ديكتاتوري بشع. لكن إخفاء تبنيه ودعمه للأفكار اليمينية المتطرفة وترويجه لها في النقاش العام الفرنسي، مثل إدراجه في اللجنة العلمية لمجلة ”فرونتير“(Frontières) المؤيدة لإريك زمور، سيكون خيانة فاضحة للحقيقة ولتراث التنوير.

أنا أعارض بشكل جذري التضييق التعسفي على النقاش حول الأفكار والسجن التعسفي للكتاب والفنانين والباحثين ونشطاء المجتمع. هذه الممارسات الديكتاتورية وصمة عار في تاريخ الجزائر.

لكن، وخلافا للامتثالية والفتور الذي يتسم به قسم من النخبة الثقافية الباريسية، لن أتوانى أبدا عن توصيف ونقد المشروع الإيديولوجي الذي يحمله ما يسمى ”أدب“ المعارضة للثنائي الجزائري بوعلام صنصال وكمال داوود، الذي يكرس الحنين إلى الاستعمار وإضفاء الشرعية شرعية « الأنديجانا » على العنف الاجتماعي والسياسي لليمين المتشدد والمتطرف في فرنسا.

الإسلام، الهجرة، الضواحي ، انعدام الأمن

تستحق هذه الحادثة أن تكون مدخلاً في قاموس غوستاف فلوبير للمفاهيم الجاهزة. في سياق تغرق فيه عموميات أرباب الإعلام والصحافة الفضاء العام بدلالات فارغة مثل” الشجاعة“ و”الانشقاق“، كان من المؤكد أن مؤلف رواية ”بوفارد وبيكوشيه“ (1881) سيكتب ما يلي عن ”المعارضين“ المزعومين لـ ”نظام“ الجزائر ”لا يمكن أن يكون كاتبا إلا من كان مثل هذين الرجلين الوحيدين اللذين استطاعا أن يفرضا وجودهما وهما الوحيدين القادرين على التفكير ومن استطاعا اتقان اللغة الفرنسية في الجزائر كتابة ونطقا؛ وهما: بوعلام صنصال وكمال داوود“.

وأضاف:” هذه الشجاعة التي تعني التفكير الفارغ، و“الحقيقة “المتخلفة، واللغة المتكلفة والملتوية للخضوع الطوعي لمبادئ وقيم اليمين المتطرف والمتشدد.

منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن في فرنسا، دأب بوعلام صنصال، عضو اللجنة العلمية لمجلة” فرونتير“(الكتاب الأسود سابقًا) اليمينية المتطرفة -المؤيدة لإريك زمور- والمساهم المخلص في مجلة ”فالير أكتويل“ و”بوليفار فولتير“ و”أتلانتيكو“ و”لوفيغارو“، والضيف المرموق في قناة ”تي في ليبيرتي“، على تأليف كتب ومقالات رأي تتجاوز النقد المشروع والضروري للأصولية الإسلامية، لتغرق في الضباب العفن للذعر الأخلاقي والهواجس الهوياتية لليمين المتطرف في فرنسا.

في المنتديات الإعلامية والصحفية التي تُفتح له، ودائماً من دون أي منافس، فإن رباعية « الإسلام، الهجرة، الضواحي ، انعدام الأمن » هي المواضيع التي يتم التطرق إليها. وبالمناسبة فإن كتبه التي تتسم بالابتذال والتكرار، هي التي تُعتبر مروعة حيث تقتصر القيمة” الأدبية“ لرواياته على أنها منشورة في مجموعة ”بلانش“ الصادرة عن دار غاليمار).

عجائب الجوهرية

لم تقلق كلمات وكتابات بوعلام صنصال، وهو موظف سامٍ سابق في الدولة الجزائرية، الحكومات الجزائرية. إن وعاءه الأيديولوجي هو جزء كبير من البرجوازية الجزائرية، الناطقة بالفرنسية أو العربية على حد سواء، أو ثنائية اللغة أيضًا، والتي اختارت منذ عام 1962 التحالف مع الأمير.

لم يخفِ بوعلام صنصال احتقاره للمواطنين الجزائريين الذين ليسوا من طبقته، تلك الكتلة الصامتة من البروليتاريين الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية، والذين يتكلمون العربية الدارجة والأمازيغية، والذين يهاجرون ويعملون ويتخذون من الضواحي الفرنسية مسكنا لهم.

سواء في الجزائر أو في فرنسا، فإن بوعلام صنصال في حرب مع العمال الجزائريين. وعلى سبيل المثال، فإن مقالاته في صحيفة لوفيغارو (07/07/2023) و ”فالير أكتويل“ (14/07/2023) و ”أتلانتيكو“ (03/07/2023)، التي يصف فيها من يسميهم ”شباب الضواحي“ بـ ”المشاغبين“ الذين يشنون ”حربًا حضارية“ ضد فرنسا حسب زعمه، هي خير مثال على عنصريته الطبقية ضد المهاجرين الجزائريين وذريتهم. تستحضر هذه النصوص الثلاثة وفاة ناهل مرزوق، الذي قُتل برصاص شرطي فرنسي في 27 يونيو 2023 في نانتير.

بذريعة النضال وتنوير الفرنسيين بمخاطر الأصولية والإرهاب الإسلامي ( نضال يراد به طمأنة وتعزيز الأحكام المسبقة لبعض البرجوازية الثقافية التي تزداد تطرفاً ضد الطبقة ما بعد الكولونيالية)، تحولت عنصريته الطبقية – كما يردد معجبوه وأتباعه بلا كلل أوملل – إلى التعبير عن ”شجاعة“ لا تضاهى لكاتب جزائري ”يجرؤ على قول الحقائق عن الضواحي الفرنسية والاسلام“،والذي ”يتحدث لغتنا“، و ”يشبهنا“، ”وهو نتاج حضارتنا اليهودية المسيحية“.

أما عن هوسه بـ « اليسارية الإسلامية » و »حركة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية » ومروّجي « التوبة »، فإنني أسميها حربه الثانية، الحرب التي يشنها ضد وجود اليسار ذاته في فرنسا، وضد السكان المحرومين من كل شيء. إن « كونه ينحدر من الانديجانا » فقلمه يجعله بريئًا. لا يمكن للجزائري الناطق بالفرنسية إلا أن يكون « تقدميًا » و « ديمقراطيًا ». إنها عجائب الجوهرية!

عندما أقرأ في الصحافة الفرنسية السائدة أن بوعلام صنصال وكمال داوود ”يقولان ’لا‘ لنا جميعًا“، أضحك. أضحك على عمى ”المستنيرين“، على لا عقلانية من يسمون أنفسهم ”معسكر العقل“. أضحك على الهراء الإعلامي الذي يتم فرضه كعقيدة غير ملموسة، كما في الأيام المظلمة عندما كانت الكنيسة تقرر ما هو ”الحقيقة“ وما هو ”الخطأ“.

وما زلت أضحك. على تفاهة خطاب معين يحاول أن يفسر لي أن الرجل الذي يعلن أن الإسلام والإسلاموية هما عدو ‘الحضارة الغربية’، والذي يهدف إلى ‘أسلمة العالم’ (مجلة ‘لي دو موند’، مارس 2023) ; الذي يطرح، أفضل من ”الاستبدال العظيم“، فكرة ”التحول الكبير“ لفرنسا وأوروبا إلى الإسلام (الكتاب الأسود، العدد 1، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 2023)، سيكون ”روح النور“ (فيرجيني بلوش-ليني، ليبراسيون، 06/07/23)، ”الأب الشجاع“ الذي يطرح ”حقائقه“ التي لا يمكن دحضها حول ”تراجع“ الغرب (مجلة ‘لي دو موند’، مارس 2023).

كاتب الافتتاحيات الأساسي

وفيما يتعلق بكمال داوود، المواطن المفرط في التجنيس الذي ينادي بـ”الاستقلال“ بقدر ما ينادي بوضع حد للمسألة الاستعمارية كما بنضال اليسار الحالي في فرنسا، فإن اعتدال كتاباته عن الحكومات الجزائرية وعدم ضررها لا يقل عن كتابات ”أخيه صنصال“.

إن افتتاحياته الأصولية والثقافية، التي يعتقد أنه ينتقد فيها الأصولية الإسلامية، هي من نفس طبيعة الخطاب السياسي الذي يصور هذه الظاهرة ”مرض الإسلام“ (عبد الوهاب ميدب، 2002) في الجزائر على أنه شيء غريب (عقاب إلهي أو مؤامرة خارجية!) لعقود من الاستبداد العسكري والتدابير المعادية للمجتمع واستخدام الدين لأغراض قمعية، أي إبادة حركات اليسار والتحرر في الجزائر.

أما عن هوسه المرضي بالضواحي الفرنسية التي يزعم أنها مأهولة بالمهاجرين الذين يتغذون من كراهية فرنسا (بنفس الطريقة اتي فسّر بها كمال داوود في صحيفة ”لوبوان“ بتاريخ 08/07 و17/07/23 مقتل ناهل مرزوق، بحب مفرط للجزائر يشعر به الشباب مزدوج الجنسية. ووفقًا للمحرر، فإن هذا الحب هو أصل عدم « الاندماج » والتمسك بـ « الإسلاموية « )، وهو أيضًا يسيرعلى خطى بوعلام سنصال الذي يفسرها باستمرار الحرب الثقافية والأيديولوجية التي يشنها جزء من البرجوازية الجزائرية ضد الجماهير الشعبية التي تزداد هشاشة ، سواء في ضواحي الجزائر العاصمة أو في باريس.

إن جائزة غونكور 2024، التي يتغنى بها إلى حد الكاريكاتيرية، وبنفس العبارات، من لوموند إلى « قيم حالية »، لـ ”كلمات الشجاعة“ (لو إيبدو1، 24/11/08) التي يغدقها على عدد من القراء الفضوليين، ولكن أيضًا على نخبة ثقافية معينة تشعر بالحاجة إلى الاطمئنان إلى أحكامها المسبقة, لا يفوّت أدنى فرصة لاستبعاد فنانة تلقي خطابًا ضد العنف الاجتماعي لإصلاح نظام التقاعد في مهرجان كان (انظر هجومه على خطاب جوستين ترييه في لو بوان، 02/06/23) أو كلمات النساء اللواتي يقدمن شكاوى ضد رجل قوي في السينما الفرنسية (انظر دفاعه عن جيرار ديبارديو في لو بوان، 05/01/24).

بالنسبة له، كل احتجاج، لا سيما من الأوساط الفنية والفكرية والأكاديمية، هو ”راديكالية“، وكل تعبئة هي عرض من أعراض ”اليسار الميلونشوني“ ”الذي يتغذى على المساعدات الاجتماعية“ (كامل داوود، لو بوان، 02/06/23). وهذا دون ذكر الافتتاحيات التي تتحدث عن التدمير الكامل لفلسطين والشعب الفلسطيني على حد سواء، والتي تستخدم منذ 7 أكتوبر 2023، نفس الأدوات الأيديولوجية لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو (انظر افتتاحياته في صحيفة لوبوان بتاريخ: 13/10 و26/10/23؛ 17/05/24).

إن تعامي وسائل الإعلام الفرنسية والنخب الثقافية الفرنسية عن كاتب الافتتاحية الرجعي في صحيفة ”لوبوان“ أمر مروع. من رجل حكمت عليه محكمة وهران، في 19 يونيو 2016، بالسجن لمدة عام واحد وغرامة قدرها 20 ألف دينار بالإضافة إلى تكاليف المحكمة لارتكابه جريمة « الاعتداء المتعمد والضرب بسلاح أبيض » ضد زوجته الأولى، وهذا تطبيقًا للمادة 266 من القانون الجنائي، لا يسعنا إلا أن نقول إنه كان سيكتب، مع حوريس، « أعظم رواية نسوية في الموسم الأدبي الجديد » (حسب فريديريك بيغبيدير)، فهو الذكر الجزائري الوحيد الذي يناضل من أجل تحرير المرأة الجزائرية والإيرانية على حد سواء من هيمنة الأصولية الدينية.

ومما لا يثير الدهشة، أن هذ ”المدافع البارز عن حقوق المرأة“ لم يجد ما يقوله عن النساء الفلسطينيات اللواتي يتعرضن للتعذيب في سجون إسرائيل الاستعمارية، أو اللواتي مزقتهن القنابل التي تملأ غزة منذ أكتوبر 2023.

فلندعم سجناء الرأي

ومع ذلك، أرفض أي موقف معسكري. إن خلافي مع بوعلام صنصال وكمال داوود هو خلاف أيديولوجي بحت. فهما جزائريان مثلي ولن أشكك أبداً في حقهما في حرية التعبير وايصال أفكارهما وكتبهما.

إن خضوعهم الطوعي لأيديولوجيات اليمين الفرنسي المتشدد والمتطرف ليس ”خيانة وطنية“. إنه الوجه المكشوف لجزء من النخب الجزائرية ومزدوجي الجنسية. البعض يخضع للأمير في باريس، والبعض الآخر يفعل ذلك في الجزائر العاصمة. إن ما يقدمه هذان ”المنشقان“ المنبطحان، هذان ”الحارسان للحرية“، لا يحسدهما عليه رشيد بوجدرة وعز الدين ميهوبي، اللذان يحترمان بدقة ما يقدمه رعاتهما من غلو في الوطنية والضحية وجنون العظمة.

هذه الخيانات لمُثُل التحرر الاجتماعي والسياسي هي طريق مسدود، وهزيمة كاملة للشخصيات الفكرية الجزائرية الشهيرة. ولكن أيضاً، وللأسف، هزيمة لليسار الفرنسي الذي يبدو أنه لا يزال غير قادر على التخلص من ”غموض العالم الثالث“ (مكسيم رودنسون، 1966).

هذه السطور صرخة غضب. غضب من حرماننا، كجزائريين في كلا الضفتين، من ذاتية خاصة بنا، من صوت لا يطمح إلا إلى تحطيم أصنام قوميتين عدوانيتين تتظاهران بـ”حرب ذكريات“ مضحكة لتكميم وخنق أي نفس تحرري يرفض الانحناء للطغاة من كل المشارب. إن الجزائري الذي يتحدث عن التحرر والكرامة الإنسانية هو الآن ”إسلامي“ و”متعاون“ في باريس، و”خائن“ و”ابن فرنسا“ في الجزائر العاصمة.

دعونا لا نحول هواجس نخبة فرنسية مغاربية ضيقة إلى مسألة دولة. لننظر إلى الجزائر العظيمة؛ ولننظر إلى فرنسا الامبراطورية. إنهما أفضل بكثير من ريع الذاكرة الذي تتلاعب به باريس والجزائر العاصمة بشكل مخجل.

دعونا ندعم سجناء الرأي، كلهم دون قيد أو شرط. سجناء الحراك وغيرهم. دعونا نذكر التطورات السياسية لبعضنا البعض، بما يتجاوز أي عقلية محظورة. إن بوعلام صنصال وكمال داوود ”كاتبان“ فرنسيان- جزائريان، أحدهما من اليمين المتطرف، والآخر من اليمين المتشدد، لا يستحقان بأي حال من الأحوال الرقابة والسجن بسبب آرائهما السياسية، مهما كانت مشوبة بالعنصرية والحنين إلى الجزائر الفرنسية.

إن حرمان إنسان من حريته بسبب تحريف تاريخي حقير جدير بالترهات المثالية لإريك زمور وبرنار لوغان، لهو أمر مخزٍ. ولقد أخذت درسي من شاعرين في العصر الأموي (القرن الثامن) هما جرير والفرزدق: أن نعارض قبح الأفكار بكلمة صلبة كالصخر.

* https://actualitte.com/article/120646/tribunes/sansal-et-daoud-derriere-la-dissidence-des-discours-reactionnaires