ثلاثون أغسطس، اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري بالجزائر
ت. بوبكر/ع.ت
وفقاً لإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها A/RES/47/133 لعام 1992، يحدث الاختفاء القسري عندما:
« يتم القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم ضد إرادتهم أو حرمانهم من حريتهم على أيدي عناصر أمن حكومية، في أي إدارة أو على أي مستوى، من طرف مجموعات منظمة أو من قبل أفراد يتصرفون باسم الحكومة أو بدعمها المباشر أو غير المباشر أو بإذنها أو موافقتها، ومن ثم يرفضون الكشف عن مصير هؤلاء الأشخاص أو مكان وجودهم، أو الاعتراف بأنهم مسلوبي الحرية، وبالتالي حرمانهم من حماية القانون ».
وينص ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر 2006، على ما يلي: عندما يُرتكب « الاختفاء القسري » كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، فإنه يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وبالتالي لا يخضع لمدة التقادم. وهذا يمنح أسر الضحايا الحق في طلب التعويضات، والمطالبة بالحقيقة بشأن اختفاء ذويهم.
لقد شن الجنرالات الانقلابيون حربا قذرة ضد الشعب الجزائري خلال السنوات التي أعقبت انقلاب 11 يناير 1992 وحالة الطوارئ المعلنة في 9 فبراير 1992. خلال هذه الفترة، وفي إطار « الحرب ضد الإرهاب »، تم تسجيل عشرات الآلاف من الجزائريين، الذين لم يكونوا دائما من الناشطين أو المتعاطفين مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأحيانا من المراهقين وحتى النساء، في سجل « المختفين ». وهذا في حد ذاته خدعة لفظية، لأن الأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال بأشخاص مفقودين، بل بضحايا الاختفاء القسري، وهي جرائم بلا جثث ولا شهود.
فقد تم اختطاف هؤلاء الأشخاص (ولم يتم اعتقالهم لأن قوات الأمن تصرفت دون أدنى أمر رسمي) في أغلب الأحيان بحضور عائلاتهم أو في أماكن عملهم، بل وفي بعض الأحيان تم أخذهم من مباني الشرطة، وتم احتجازهم في أماكن سرية أين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب. وإذا ظهر بعضهم مرة أخرى، فيظهرون مهجورين أمام مكبات القمامة، مكبلين بالأغلال ويحملون علامات التعذيب دلالة على تعرضهم لأسوء المعاملات.
ووفقاً لشهادات العائلات، فإن عمليات الاختطاف تمت، في معظم الحالات، من طرف الشرطة أو الدرك أو الجنود الذين يرتدون الزي الرسمي. إن الهياكل الأخرى المسؤولة عن الاختطاف هي أيضًا منظمات تعمل بموجب أوامر السلطات أو نيابة عنها: كالميليشيات، الحرس البلدي، مجموعات الدفاع الذاتي وأجهزة المخابرات.
وأمام هذا الكم المذهل من الفظائع والصمت الذي يحيط بها، يرفض أهالي الضحايا التزام الصمت رغم السكوت المتواطئ لقطاع كبير من الأوساط السياسية وقطاع أوسع من « النخب » الفكرية أو الاجتماعية. إن يوم 30 أغسطس هو بالنسبة لجميع هذه العائلات علامة فارقة وتعبير عن المقاومة والتحدي. فشعارات مثل « يسقط حكم العسكر »، و »مخابرات إرهابية » والعديد من الشعارات الرئيسية الأخرى للحراك أعطت صدى هائلاً لنضال أولئك الذين تحدوا الحظر لوحدهم منذ عام 1998 وقاموا بتنظيم المسيرات والوقفات. والذين واجهوا الإهانات والهراوات وسيارات الشرطة، لكنهم يلوحون بشجاعة بصور الزوج أو الابن الذي اختطفته « الحكومة » أي (« النظام ») الذي يحكمه الجنرالات.
شهادة السيدة س. زوجة المفقود التي أوقفتها الشرطة مع زوجها: » وصل عناصر الشرطة إلى بيتنا بينما كان زوجي لا يزال بالخارج، لقد كان بائعًا متجولًا. كسروا كل شيء وأخذوا كل شيء بما في ذلك الأوراق الثبوتية، ضربوني بلا هوادة أمام أطفالي الصغار، رفعني أحدهم، وهو عملاق ذو بنية قوية، بكل قوته ليرميني على الحائط وحتى السقف، كان وجهي مغطى بالدم وثقبت شظايا الزجاج من المصابيح والأواني المكسورة جمجمتي.. كانت الشرطة مقتنعة بأن زوجي التحق بالجماعات في الجبال. تم توقيف زوجي أمام طاولته المتواضعة، وقرروا أيضًا أخذي معهم رغم أن طفلي كان لا يزال رضيعا. وفي زنزانات مركز الشرطة المركزي، لم أتمكن من الاتصال بزوجي إلا مرة واحدة قبل أن يأتي عناصر دائرة الاستعلام والأمن لأخذه. لم أر زوجي مرة أخرى، وحُكم عليّ بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ. نفس عناصر الشرطة الذين اعتقلوني كانوا يستقبلونني للتوقيع كل أسبوع، ورغم توسلي إليهم لإعادة وثائقي ووثائق أطفالي التي كنت أراها بأم عيني على مكتبهم، حيث لم أتمكن حتى من إعادة تسجيل أطفالي في المدرسة، لم يجد ذلك شيئا. » |
ما هو الهدف الذي أرادت الشرطة تحقيقه باستخدام مثل هذه الأساليب؟ اختطاف الزوج، وتجويع الأطفال، ومنع الزوجة من العثور على عمل، ونزع حتى هويات هذه العائلة؟ هل سيذهب هذا النظام في رغبته إلى محو الذاكرة، وفقدان الذاكرة المفروض، إلى حد مسح هؤلاء الجزائريين من سجلات الأحوال المدنية والذين ما زالوا حتى اليوم يعاملون كإرهابيين؟ وحتى على نطاق أوسع، مسحهم من الذاكرة الاجتماعية؟ هل أراد عناصر الشرطة هؤلاء محو كل هؤلاء الناس من خلال دفع الأمهات إلى الرذيلة (بحسب كلام شرطي لأحد المسؤولين الذي كان قد قام بتوظيف السيدة ن.س، زوجة أحد « المختفين ») ودفع الأطفال إلى الانتحار أو الإدمان؟ إن الحل الأفضل لطمس الحقيقة هو في الواقع منع الأبناء أو الأحفاد التطرق إلى مصير أقاربهم. وهكذا شُنت حرب على شعب واستهدفت فئات اجتماعية معينة تحت غطاء مكافحة الإرهاب. ومن المؤسف أنه لم يتم إجراء دراسة جدية لتحديد تصنيف الضحايا، الذي لا يزال عددهم الدقيق غير معروف، أو لتفسير عددهم حسب الفترات والولايات والمناطق المحددة. ومن الأجدر أن ننوه أن أماكن هذه الأهداف كانت معروفًة جيدًا لدى السكان، لذلك في نفس المدينة مثلا، كان الجميع يعرفون الأحياء التي تم استهدافها بشكل أساسي من خلال المداهمات المباغتة وقت الفجر وعمليات التمشيط والاختطاف. ومما لا شك فيه هو أن موجات العنف هذه ضد المجتمع لا بد وأن تهز قبل كل شيء الخيال الجماعي، وتُثقل الضمائر، وتزرع الرعب بين أولئك الذين لم يتم استهدافهم بشكل مباشر، وتشكل وتخلق مواطنين خاضعين تمامًا للنظام الانقلابي بمنع أي عمل سياسي والحفاظ على التناقضات الزائفة حتى لا يفكر أحد في مواجهة السلطة، أو يقترح مسارات أخرى من أجل الحصول على السيادة الشعبية.
وهذا هو جوهر النهج الدنيء الذي تقرره أعلى أجهزة النظام العسكري البوليسي، العقل المدبر لهذا النظام. إن كل جرائم النظام الانقلابي وشرطته السياسية، وإدارة الاستعلامات والأمن السيئة السمعة، سواء تعلق الأمر بالاختفاء القسري، أو معسكرات الاعتقال في الصحراء، أو مراكز التعذيب، أو المحاكم الخاصة، التي يعتبر النظام القضائي الحالي بمثابة الوريث الشرعي المخزي لها، ليست إلا ترجمة لاستراتيجية إرهابية تهدف إلى خنق أدنى رغبة للاحتجاج الشعبي. ويصاحب هذا الترهيب تنفيذ عمل نفسي موروث عن الاستعمار من خلال تأجيج الصراعات الداخلية بشكل منهجي وتفاقم الانقسامات قدر الإمكان.
وبعد أكثر من ثلاثين عاما، لابد لنا من أن نستحضر ونتذكر كل من أيد عمليات الاختفاء القسري هذه، عن قناعة أو تحت الإكراه، من خلال المشاركة الفعالة فيها، أو توفير الوسائل اللوجستية، أو نشر المقالات الصحفية بناء على أوامر، أو الموافقة على الاعتقالات، أو السماح، دون تحقيق أو تشريح، بدفن الجثث التي تعرضت للتعذيب الوحشي وتركت على قارعة الطريق العام. ولكن أيضاً أولئك الذين وافقوا، في انتهاك صريح لكل القيم الأخلاقية، على محاكمة المواطنين غيابياً وخاصة بعد أن تم اعتقالهم من طرف الشرطة، واختطفتهم دائرة الاستعلام والأمن، وأحياناً عند خروجهم من المحاكم مباشرة، وأعلن أنهم هربوا أو أنهم ينتمون إلى الجماعات الإرهابية.
إن قائمة الجهات الفاعلة في هذه الحملة الإرهابية المروعة معروفة تماما. وتضم رؤساء النواحي العسكرية والولاة ومفوضي الشرطة ورؤساء البلديات ومديري الإدارات المركزية والعديد من الأطباء الشرعيين ورجال المطافئ ومديري المستشفيات… وكذلك الصحف التي لم تكتف بالتستر على المداهمات والانتهاكات والاختفاءات، بل غالباً ماعرضت عمليات إعدام غير قانونية للمعتقلين المقيدين وكأنها انتصارات لصالح الشرطة على الجماعات المسلحة.
وهناك العديد من الأمثلة على السلوك العام اللاإنساني من طرف الجهات الفاعلة في هذه الفترة بهدف منع تسليط الضوء على حقيقة هذه الحملة الإجرامية. وهكذا، وكمثال مأساوي، يمكننا التأمل مليا في غياب أخلاقيات المهنة لدى الكثير من الأطباء الشرعيين الذين لعبوا دورًا خاصًا في هذه الحرب القذرة. ولم يتردد البعض، ومعظمهم من رؤساء الأقسام، كما يشهد على ذلك السيد (م)، ابن أحد المختفين وطالب طب في ذلك الوقت، في وصف الجثث المشوهة والتي تحمل آثار التعذيب بشكل فظيع بأنها « جثث لإرهابيين » عندما يتم تسليمها أمام طلابهم من طرف رجال الأمن أو رجال الحماية المدنية. وبدوسهم على القانون وأخلاقيات المهنة، قام العديد من هؤلاء الأطباء الفاسدين بتوقيع شهادات مزورة تحمل عبارة « مجهول »، (بدون عنوان ثابت)، ليتم دفن هؤلاء الأشخاص المساكين الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب في أضرحة غير معروفة تمامًا تحت مسمى «جزائري مجهول ».
ورغم ذلك، لن تستطيع أي سلطة من منع الكشف بشكل دائم عن حقيقة هذه الانتهاكات الفظيعة، وهذه الاعتداءات على حقوق الناس وكرامتهم والتي لا تسقط بالتقادم. وسيرفع الستار حتما عن هكذا جرائم وسيتم تحديد هوية مرتكبيها لأن للتاريخ موعد مع الحقيقة لا يخطأه، لا محالة، وسيحاكم الانقلابيون وزبانيتهم، الذين أدانهم التاريخ بالفعل، وسوف يتم تسمية ضحايا الاختفاء القسري والتعرف عليهم مهما طال الزمن.