المسلسل التلفزيوني « الدامة »: الصناعة السنيمائية للنظام بين إدانة الحراك وبث الشك في أوساطه

  Algeria-Watch, 13  janvier, 2023,بوبكر .ت

لطالما كان التلفزيون الجزائري العمومي الذي يعتبر التلفزيون الرسمي للسلطة، ولكنه عمومي بالاسم فقط ، أحد المراكز الرئيسية للدعاية والتضليل وغسيل الدماغ، في الخدمة الحصرية للنظام. بتمويل من أموال الجزائريين ، تبقى هذه القناة التلفزيونية ، رغم كل محاولات تحديث مظهرها وتزيين شكلها ، واحدة من وسائل التلاعب بالرأي العام ، المحرك الرئيسي لخطاب النظام والصوت المُطيع لسيده.

تلفزيون تحت الأوامر 

هذا الصوت الفريد له مهنة واحدة ومهمة منفردة: نشر الدعاية وتسميم العقول بلا كلل ولا ملل وبجميع الأشكال الممكنة. وهكذا و في تطورات جديدة، فُرض على المشاهدين سلسلة من حلقات « الدحدوحيات« 1 حيث يظهر فيها الإرهابيين التائبين في حالة استرخاء تامة وفي صحة جيدة وغير متعبين، يُدلون باعترافاتهم برضا أمام كاميرات التلفزيون العمومي . بالنسبة لهذه الاعترافات غير المقنعة والمفروضة من طرف سلطة لم تكن يوما ذات مصداقية ،وتم بالكاد تمثيلها بطريقة مرعبة، وخير مثال على ذلك اعترافات محمد عزوز بن حليمة وآثار التعذيب2 لا تزال بادية على جسمه. وفي نفس السياق ، كيف يمكننا أن ننسى الأداء الباهت والتهريجي لصحفي مخفي الوجه، والذي قُدِم على أنه عضو من المتهمين بالاشتراك في قتل الشاب جمال بن اسماعيل3، رغم أن القضية كانت من المفترض في مرحلة التحقيق؟

بالإضافة إلى وظيفته كوكيل إعلامي للميليشيات ، يحافظ التلفزيون العمومي وفي كل الظروف على تقليد البرامج التي تدور حول مسلسلات مُبتذلة وشبه نقاشات بيروقراطية لا يمكن استساغتها بأي حال من الأحوال. تعتبر نقاشات المقاهي والصفقات التجارية هذه ، بين ممثلين غير موثقين ودون شرعية، والذين يُعتبرون الضمان « الديمقراطي « المزعوم لـلتلفزيون العمومي. لقد انتهت منذ فترة طويلة النقاشات المتفق عليها سلفا ، المُتكلفة والتي لا تحمل أي مضمون بين من يسمون بالخبراء ، والمسؤولين المنتخبين بدون ناخبين ، ومعارضي الرسوم الكرتونية ، والوزراء الفاسدين وأئمة تلفزيون الواقع منذ فترة طويلة ، مثل العديد من البرامج التي تستخف بذكاء الجزائريين ، بإثارة اشمئزاز المُشاهد الجزائري.

إنها بالفعل ذروة السخافة الدعائية ، التي تروج لها بلا شك الأخبار التلفزيونية ، طقوس اتبعها التلفزيون العمومي في أبرز مشهد مثير للشفقة وغالبًا ما يكون سرياليًا لغسيل الأدمغة بطريقة رسمية. من المؤكد أن قمة هذا التغليط الساخر يعود إلى تلك السلسلة الأخيرة من الفيديوهات التي يتم بثها على التلفزيون العمومي ، في خضم أزمة النقص والتضخم ، يظهر فيها بعض المسؤولين يتبخترون في أسواق مزدحمة للغاية تروج لسلع بأسعار لا تقبل المنافسة. بلغ إنتاج المعلومات المغلوطة في هذه الحالة ذروة غير مسبوقة تخالف تماما الواقع المعيش، قوبلت بالسخرية والتهكم من قِبَل جمهور محروم من كل شيء.

في جدول البرامج التلفزيونية ، تتناوب الأخبار و « الموائد المستديرة » المصورة مع مسلسلات خيالية رديئة المستوى ، تفتقر الى أدنى ابداع فني ، ذات سيناريوهات بائسة لكن بميزانيات غير مُعلنة ، أُعدت من طرف شركات إنتاج تابعة لعملاء النظام.

مسلسل الدامة ، انتاج فريد

ومع ذلك ، وفي شهر رمضان لعام 2023 ، بثت قناة التلفزيون العمومي مسلسل « الدامة«  والذي يبدو أن معدلات مشاهدته، بما في ذلك بين الجالية الجزائرية في الخارج ، تجاوزت جميع الأرقام القياسية وجميع التوقعات.

يروي المسلسل المكون من خمسة وعشرين حلقة والذي تم بثه منذ أول أيام رمضان هذا العام جوانب من الحياة اليومية في حي باب الواد الأسطوري الشعبي بالعاصمة الجزائر بأسلوب « واقعي » غير مسبوق.

إنه بالفعل إنتاج مؤسسة التلفزيون العمومي ، من اخراج يحيى مزاحم ، وكاتبة السيناريو سارة برتيمة.

هل يعتبر مسلسل « الدامة » ، نجاحًا في أوساط المشاهدين مثل « الحريق » لمصطفى بديع و « كرنفال في دشرة » لمحمد اوقاسي من قبل ، أم أنه رهان رابح للمصالحة بين الجزائريين والتلفزيون العمومي؟ ما يعنيه هذا القبول الشعبي ، إذا اتفقنا بالفعل على معنى النجاح الأدبي أو السينمائي في بلد يتم فيه تجريم أي كلمة حرة؟

الدامة هو الاسم العربي للعبة الدامة ، وهي من لعب الطاولة ذات استراتيجية اندماجية مجردة يتم لعبها بين لاعبين ، ويجب فيها الاستحواذ على بيادق الاعب الخاسر جميعًا في نهاية اللعبة. في الجزائر ، إن مصطلح « ماكلة » (من فعل أكل أوالتهم) يستخدم للإشارة إلى القضاء على البيادق، وهي رمزية قوية للغاية متواجدة في المسلسل حيث ، في الواقع ، لا تترك فيها أي فرصة للاعب الخصم الذي يجب القضاء عليه.

إن مسلسل « الدامة » الذي يتحدث ممثلوه باللغة العامية ، اللغة العربية الشعبية بلهجتها العاصمية ، يتطرقون من خلالها وفي بيئة وحشية من الشوارع المتسخة ، والمباني المتداعية والبؤس ، والأحداث العائلية المأساوية إلى الآفات الاجتماعية والجرائم مثل تعاطي المخدرات في المدارس ، تصفية الحسابات الليلية بين العصابات ، تهريب الذهب وقطع التراث الوطني ،عالم تجار المخدرات ، الحرقة (الهجرة غير الشرعية)، وواقع السجون. وحتى الاغتصاب تم التطرق اليه ، وهو الأول من نوعه في الإنتاج الوطني للأفلام في ميدان السمعي البصري. هذه المواضيع ، التي تم التطرق اليها بشكل مُحتشم ، واختيار النظرة «الواقعية » ، يمكنها جذب اهتمام الجزائريين. منذ الحلقة الأولى ، يجد المشاهد نفسه في بيئة مألوفة ، في شقة متواضعة للغاية حيث يتعين على الأطفال الذين ينامون على الأرض الاستيقاظ مبكرًا لشراء أكياس الحليب المدعومة الشهيرة والذين ، بمجرد اجتيازهم عتبة البناية في طريقهم إلى المدرسة ، يلتقون بتجار المخدرات من جيرانهم ، حيث تجنيدهم.

وهكذا ، يبدو أن مسلسل الدامة تميز عن غيره من الانتاج الشائع ولو من خلال السيناريو واللغة والديكور. إن الصدى الذي لقيه المسلسل والجدال الذي أثاره يكاد ان يكون غير مسبوق. أسال مسلسل الدامة الكثير من الحبر وأثار ، على الأقل ولو بشكل سطحي، مزيدًا من الجدل في بلد يُحظر فيه في الواقع أي نقاش جدير بهذا الاسم .

وبالفعل ، فإن هذا المسلسل أدى إلى انقسام الجمهور بشكل واضح ، فقد لقي من البعض السخط والرفض ، ومن البعض الآخر التصفيق والثناء.

لقد أدى هذا الانقسام إلى إعادة احياء الخصومات القديمة بين « المحافظين » و « التقدميين« ، مع تواجد أتباع للطرفين من هنا وهناك ، وجزء كبير من الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي. كما أثار مسلسل الدامة ردة فعل جمعية العلماء4 ، والمنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ ، وسلطة ضبط السمعي البصري5، ووسائل الإعلام الجزائرية والفرنسية ، ولا سيما « لوبوينت« 6 (Le Point) و « جان أفريك« (Jeune Afrique)7 و « تيفي 5 موند « 8(TV 5 Monde).

مسلسل « الدامة » 100٪ مع الدولة« 

تفاعلت جمعية العلماء عبر صفحتها على الفيسبوك ، بنشرها كردة فعل لتشويه سكان حي باب الواد في المسلسل على أنهم تجار مخدرات ، صورة لسكان الحي وهم في طريقهم إلى المسجد. بالنسبة لجمعية العلماء ، فإن باب الواد هو قبل كل شيء حي يأوي سكانًا متدينين ، يحترمون تقاليدهم الدينية ،وشباب الحي مثال للشباب الفطن الذي يعرف الطريق الصحيح

من الواضح أن خرجة جمعية العلماء هذه تسببت على الفور في ردة فعل من الدوائر المحافظة التي ما زالت تعتقد أنها تعارف أطياف الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، وتَنظَم في هذه العملية إلى المؤيدين المعتادين لحرية المُعتقد ، ومحاربة الانصياع ، والأصولية ، والطابوهات ، والنفاق المجتمعي. وفي هذه الأثناء ، انتفضت شخصيات أخرى من المحافظين، بين الشعبوية والانتخابية ، ضد إنتاج متهم برغبته في تشويه سمعة حي باب الواد ،زيادة على تقويض صورة الأخلاق الحميدة في أوساط المجتمع الجزائري بشكل عام وأطفال حي باب الواد بشكل خاص.

من خلال ركوب الموجة نفسها ، شعرت المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ9 ، وهي هيئة تابعة لوزارة التربية والتعليم ، بضرورة إظهار وجودها من خلال طلبها، نيابة عن المجتمع المدني ، سلطة ضبط السمعي البصري، للتدخل ضد مسلسل تلفزيوني « يشجع على العنف ويمثل تهديداً حقيقياً لأطفالنا وللقيم الأخلاقية للمجتمع بأسره« . وبالتالي ، فإن جمعية أولياء التلاميذ نفسها التي لم تلاحظ أبدًا أدنى تهديد يُلقي بثقله على التلاميذ الذين يجازفون بحياتهم لأميال على الطرق السريعة أو في الأرياف للوصول إلى المدرسة، زيادة على جميع الإخفاقات وسوء التغذية والعنف والدروس الإضافية الموازية ، شعرت فجأة بالخطر المُحدق شـكله مسلسل بثه التلفزيون العمومي.

أما بالنسبة لـسلطة ضبط السمعي البصري10 ، فقد قررت أن تتقدم ، في مبالغة مدهشة ، بتحذير التلفزيون بلغة غير متوقعة ، متهمة المسلسل صراحة بالترويج لحركة إرهابية! هذه الهيئة ، وبيقظة مُريبة ، أشارت إلى أنها « سجلت أثناء مشاهدة مسلسل الدامة على التلفزيون العمومي ، في أولى حلقاته، في الدقيقة التاسعة عشرة ، و45 ثانية ، مشهدا يُظهر جدارا في سوق في حي باب الواد ، أين يمكن قراءة اسم مُختصر لحركة انفصالية مصنفة على أنها إرهابية « .

لقد تم فهم هذه العلامة بسرعة ، إنها مكتوبة بوضوح على جدار مُتداع في حي من أحياء العاصمة ،حيث يمكن للمرء أن يميز الحروف الثلاثة للحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل ، والتي حتما لم يرها المُخرج وفريقه. في هذه الحالة ، أظهرت سلطة ضبط السمعي البصري وبعين ثاقبة معرفتها بالنصوص: فقد تم تصنيف الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل وحركة رشاد ، على أنهما « منظمتين إرهابيتين » في مايو 2021 من طرف المجلس الوطني للأمن.

لقد فَهِم جميع المعنيين هذا: عبر التسلسل الهرمي للتهديدات البيروقراطية الخفية ، فإن ملاحظة سلطة ضبط السمعي البصري هذه تشبه السيف المسلط فوق رؤوسهم لقد استدعى التلفزيون العمومي على الفور منتج المسلسل وارجع ظهور رمز حركة الماك الانفصالية على الجدار إلى « نقص في التركيز » من طرف الفريق القائم على الفيلم، سواء أثناء التصوير أو المونتاج أو حتى عند مراجعة الحلقات. يعود المخرج يحيى مزاحم أدراجه إلى مكان التصوير ويسجل فيديو من عين المكان لتبرير الخطأ الذي وقع، ينشره بسرعة كبيرة على حسابه الرسمي على انستغرام11. حيث نرى المخرج محاطاً بمجموعة من السكان ينفون المعلومة الواحد تلو الآخر فيشيرون إلى أن الكتابة على الجدار لا تمثل بأي شكل من الأشكال الجماعة « الإرهابية« . تلك الكتابة على الجدار لا تتعدى أن تكون مجرد رسومات غرافيتي قديمة « عشوائية » لشباب الحي. ويختتم يحيى مزاحم مداخلته بطمأنة السلطات العمومية على الرأي السياسي للفريق والممثلين المنتقين لمسلسل الدامة مؤكدا : »نحن مع الدولة 100٪ ونساندها« . ومنه لن يتسنى للجمهور أن يعرف أكثر عن معنى هذه الظاهرة « العشوائية« .

لذلك تم إغلاق ملف هذا الحادث، ليتمكن الأبطال المعتمدين ، المصرح لهم بالتعبير علنًا ، وجميعهم مقتنع بتمثيل الشعب حصريًا ، مواصلة عرضهم المليء بالمديح وقليل من النقد والخطب الرنانة.

يبقى أنه في تعددهم بالإجماع ، فإن كل هذه التصريحات المتحمسة للنظام ، تتغذى على الاهتمام الوحيد المتمثل في إظهار خدمتها لأسياد البلاد ، من خلال إطلاق العنان لعجزهم وعدم قدرتهم على فهم الأسباب الكامنة وراء نجاح مسلسل الدامة لدى الجمهور الجزائري ،الشيء الذي دفع المخرج دون رغبة منه ليعلن بشكل لا لبس فيه ،اللون الحقيقي والأهداف الحقيقية للسينما التي تروج لها ما تسمي نفسها ب « الدولة » …

من علامات الاعتراف المطلقة ، بأبعادها الاستعمارية الجديدة ،فإن مسلسل الدامة ، تم ملاحظته وتحليله

وتقييمه في فرنسا. وهكذا تناولته قنوات تلفزيونية فرنسية عامة ، وخصصت له مجلة خاصة بالشأن الافريقي مقالاً أشادت فيه بنجاحه المبهر حتى أن المسلسل استفاد من الحماسة الكاملة للمراسل الجزائري للمجلة الأسبوعية للمحافظين الجدد ليبوانت [Le Point] الذي أثنى على واقعية السيناريو « في بيئة سمعية بصرية مقفلة يتحكم فيها الرأي السائد للمحافظين الذين يدعون أنهم بمثابة صمام أمان ، تحت أنظار الرقابة ، للحفاظ على الأخلاق الحميدة والقيم الأسرية ، والدين و « الثوابت الوطنية« . من المؤكد أن مسلسل الدامة ، الذي أثار انتباه الجميع ، والذي تطرق اليه معظم المعلقين من جميع الأطياف ، لا سيما أولئك المتشبعين بالإسلاموفوبيا. إن الرأي العام الفرنسي الموجه بعناية « يعرف » تماما من هم الذين يمنعون باب الواد وكل المجتمع الجزائري من مواجهة الحقيقة كما هي.

من خيال مسلسل الدامة إلى واقع السلطة

قوي بنجاحاته ضد مناضلي الحراك السلميين الذين يتم تعقبهم وتعذيبهم وتصنيفهم كخونة وإرهابيين وسجنهم والحكم عليهم بأحكام قاسية ، يؤكد النظام القائم أن لغته الوحيدة هي لغة الازدراء والعنف. لكن قدرة هذا النظام المطلقة لها حدود. فليس باستطاعة القمع السيطرة على تأثير الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الخارجية ومدى تأثيرها على المجتمع ، رغم كل الرقابة وكل التجنيد لفرق « الذباب الإلكتروني » والمخبرين.

لكن هذا النظام يعرف جيدا كيف يستغل التظاهرات الرياضية في عز الأزمات من نقص في المواد الغذائية بكل أنواعها ، لتداول مواضيع مثيرة يصنع بها مغالطات كاذبة لإثارة نقاشات كاذبة. لهذا السبب يحتاج « صناع القرار » أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز نفوذهم للسيطرة عن كثب على كل ما هو إنتاج تلفزيوني أو سينمائي. وهذا في السياق الخاص لبلد لم يتبق فيه سوى عدد قليل جدًا من دور السينما ، مما يعزز الأهمية الاستراتيجية لـلتلفزيون العمومي. يجب أن يستعيد التلفزيون العمومي ، الذي يستمر حتى الساعة في بث الأفلام التاريخية الزائفة ،الخاضعة للرقابة الشديدة على الرغم من النصوص الصادرة مباشرة من مكاتب المخابرات أو الإنتاج الذي لا روح فيه والذي يُصنع غالبًا في فيلات أو شقق فاخرة مع حوارات تافهة بلغة لا يتكلمها أغلب الجزائريين ،والذي يُحتم على التلفزيون العمومي أن يُلَمع صورته وصورة النظام القائم، من خلالها، بأي ثمن. ومن هنا جاء القرار بمحاولة تقديم ، ولو لشهر رمضان فقط، وهم الجزائر الجديدة والسينما المحررة التي تعرف كيف تصل إلى قلوب الجزائريين سواء في الداخل أو في الشتات.

باب الواد كديكور فقط

أظن أنه ليس من الضروري الإسهاب في الحديث عن أداء بعض الممثلين الذين يفتقرون إلى التجربة ، فمن المؤكد أنه أكثر فائدة استحضار النشر السردي لمسلسل الدامة والأفكار الاجتماعية والسياسية التي يراد الترويج لها من خلاله.

يبدأ المسلسل بعرض لعائلة عامل ميناء يقطن في حي باب الواد في شقة متواضعة للغاية بدون حمام. يرتاد الأطفال مدرسة الحي حيث هم ملزمون بالاستماع إلى النشيد الوطني بهدف التأكيد على « الوحدة الوطنية ولو رمزيا ،رغم كل الآفات » ، وفقًا للصياغة الدقيقة للمخرج. من اللافت للنظر أن حي باب الواد العريق، وهو فضاء مليء بالتاريخ من حرب التحرير إلى الحراك ، مرورا بالحرب القذرة ،تم عرضه من زاوية البؤس والانحراف فقط . فالسياسة في هذا المسلسل منعدمة تماما. إن الغياب التام لهذا العنصر الحاسم في حي بالجزائر العاصمة ، والذي يظل أحد القلوب النابضة للاحتجاجات الشعبية ، أدى إلى إضعاف السيناريو. إن إخلاء عنصر مركزي من حياة الحي ، بعيدًا تمامًا عما يمكن للجميع ملاحظته بشكل يومي ، ينفي بوضوح الواقعية المزعومة للمسلسل.

الرجل الملتحي الوحيد الذي نراه في الفيلم هو أب لعائلة يعمل في الميناء، مات في الحلقة الأولى أو الثانية، وهو ملتزم جدا: متدين وتقي لا غير. لا يتسامح مع وجود تجار المخدرات ويمنعهم من الاقتراب من ولديه الاثنين. اتضح في نهاية المسلسل أن عامل الميناء المتدين هذا، أنقذ الشخصية الأنثوية الرئيسية من مصير مأساوي (السقوط في أحضان « الزنقة » بمعنى الشارع). هذه المرأة تقريبًا بدون عائلة، تم اغتصابها من طرف الممثل الرئيسي الذي كانت مُغرمة به. فهذا الرجل المؤمن ، وبعيدًا عن التعصب ، يقوم وبسرية تامة بدوره الاجتماعي بامتياز ، دور فاعل الخير الصالح. كان المسلسل بليغا أيضا لأنه استطاع أن يكشف الأشياء التي كان يريد عرضها فقط. وبالتالي ، لم يتم تصوير مشهد واحد في مسجد أو مصلى ، ولا نجد أثرا لإمام . وبالمقابل نجد الكثير من قاعات الرياضات القتالية حيث يلعب المدرب دورًا إيجابيًا وهامًا في كبح العنف وإبعاد الشباب عن الانحراف.

ما يظهره مسلسل الدامة وما هو مخفي

إن أماكن الترفيه الليلي « الفسق » في حلقات المسلسل ، غائبة تمامًا ، ولا يظهر أي استهلاك للكحول على الشاشة. أما النوادي الليلية في الأحياء الراقية التي يرتادها تجار المخدرات والمهربون « الوصوليين » والملاهي الخفية الرخيصة في الأحياء الشعبية ليست جزءًا من الديكور. وهكذا في هذه المساحات يتم حَبْكُ المؤامرات وغالبًا ما يتم الكشف عن الأعمال الدرامية من الجرائم التي تهدد حياة سكان الأحياء الهامشية في العاصمة. في هذا المسلسل لم يتم أيضا كشف الأجهزة القوية التي توزع المخدرات على صغار التجار. أما بالنسبة للميناء القريب الذي يمر عبره التهريب ، وهو مركز مرور تحت رقابة الشرطة ، لا تكاد توجد أي إشارة إلى الشخصيات النافذة التي لم يتم حتى ذكر وظيفتها. أما عن السيناريو ، الذي وصفه صحفي « لو بوينت » بالواقعية ، فهو يجهل المسؤولين الفاسدين ، وليس لديه أدنى فكرة عن زَنازين باب الجديد ، ولا التعذيب ، ولا الدور المخيف للمخبرين ، ولا مصدر المخدرات ، ولا أطفال الأحياء الفاخرة الذين يقدمهم تجار المخدرات والذين يحظون بالحماية. علاوة على ذلك ، حتى مع استمرار محكمة سيدي محمد في ترويع الجزائريين ، يتم تقديم هذه الهيئة العليا التي تخضع « لعدالة التلفون » من طرف ضباط DRS12حيث تم تقديمها في مسلسل صُور في عصر الانستغرام ولايفات اليوتيوب ، كمؤسسة مثالية لا يحاكم فيها إلا من تمت إدانته من الأشرار. أما بالنسبة للسجون ، فهي تبدو تقريبًا مثل بيوت الشباب ، حيث يمتلك كل سجين في هذا المسلسل غير الواقعي إطلاقا، سريرًا وبطانية جديدة .

يتجسد معرض الأبطال الإيجابيين في مسلسل الدامة في الشخصية الوحيدة في الحي التي تمكنت من الخروج من بيئتها لتصبح ضابط شرطة. إنه يعمل في مركز شرطة الحي ، وهو بمفرده القادر على تجسيد قيم الجمهورية.

في إحدى هذه البرامج13 التلفزيونية الترويجية، أعرب مخرج الدامة عن فخره بمساهمته في المصالحة بين الجزائريين والتلفزيون الحكومي. وحسب المخرج ، فإن سكان باب الواد قدّروا المسلسل التلفزيوني الذي شاركوا فيه بمحض إرادتهم ، لدرجة أن اسم المسلسل مكتوب الآن على بعض جدران الحي.

واقعية سطحية لتغيير تجميلي فقط

وعد الممثلون الرئيسيون وكاتب السيناريو الذين شاركوا في الحصة بالبقاء مخلصين لروح المسلسل ، لأنه سيكون طريقتهم في المساهمة في بناء « الجزائر الجديدة » ، وهي جملة سحرية صاغها الرئيس تبون لينأى بنفسه عن عهد سلفه ويُروج لوهم التغيير. مع ذلك ،فالجميع يعلم ، أنه ليس هناك شيء جديد في الاستمرارية التراجعية: ربما تحدث تغييرات في أوساط المسؤولين، ولكن دون أي تغيير في أساليب النظام. ومن أجل إعلانه الواضح تبنيه للخطاب السياسي السائد ، ندد طاقم الفيلم خلال البرنامج نفسه بـ « اليد الأجنبية » ، معتمدا على إحدى الأفكار المهيمنة على الخطاب الرسمي لتبرير قمع وإسكات الصحافة. لقد قضي الأمر.

في النهاية ، يتضح أن مسلسل الدامة يشير بالتأكيد إلى الآفات التي يعاني منها المجتمع الجزائري ، لكن دون المخاطرة بأدنى تحليل لمصدرها ، واكتفى باستنكار الآثار دون حتى تحديد الأسباب التي هي أصلا معروفة. وهكذا فإن السرد الذي تم إفراغه من المحتوى النقدي يتماشى بشكل جيد مع سطحية تلك « الجزائر الجديدة » ،دون أي ملامح دقيقة، يكررها دون توقف، رئيس دولة فرضه قائد أركان الجيش فرضا.

ومع ذلك ، يبقى مسلسل الدامة، إنتاج مبتكر من حيث موضوعه ومساحته السينمائية واختياره للغة العامية. هذه الأبعاد وحدها ، فضلاً عن اللمسة الفنية والتقنية لمسلسل الدامة ، تجعله شيئًا رائعًا نسبيا وسط إنتاج تلفزيوني كئيب لجزائر تحت وطأة نظام بوليسي وحشي وفاسد ،وفقر أخلاقي وفكري ليس له مثيل. لكن ، بلا شك ، ومهما كانت جودته ، فإن الدامة مجرد مسلسل ترفيهي ،وبالتأكيد لا يمكن أن يكون مناسبًا للتعبير عن الظروف الاجتماعية والثقافية لحي باب الواد. إن الواقعية المزعومة للمسلسل هي الحياة اليومية للمظاهر التي تم تجاهل أسسها الاجتماعية والسياسية بشكل كامل. لذلك فإن باب الواد ، بألوانه الحقيقية وتنوعه وأعماقه ، لم يتم تصويره بعد.

إن الجزائر تزخر بالمواهب والمهارات السينمائية ، والقدرات الفنية غير المستغلة ، والعديد من المخرجين الشباب الذين يطلبون فقط التعبير عن أنفسهم خارج القيود التي يفرضها نظام جاهل وسالب للحريات. إن مسلسل الدامة ، على الرغم من محدوديته ونقائصه ، ولكن تفرده ، هو في حد ذاته دليل على تلك القدرات الموءودة. يُظهر النجاح الذي حققه هذا المسلسل أيضًا ترقب الجمهور لإنتاج سينمائي بديل ذو جودة. إنتاج سينمائي سواء للشاشة الكبيرة أو الصغيرة يجب عليه أن يكسر القيود البيروقراطية العتيدة ، وسُبُل الولاءات العقيمة ، من أجل التوجه نحو إنتاج ينقل بالفعل هموم مجتمع يعاني ، يختنق، ولكنه لم يمت ،ولا زال ينبض بالحياة.

1 من اسم علي دحدوح ، إرهابي تائب (أو مقدم على هذا النحو) أثارت اعترافاته المتلفزة حيرة وشك الرأي العام. غالبًا ما تكون مضحكة. https://www.youtube.com/watch?v=PrqFnvgaEY0

2 https://www.youtube.com/watch?v=6Hb3eTtnOI0

3 https://www.youtube.com/watch?v=8OWQEb0AoWU&t=241s

4 https://lapatrienews.dz/el-dama-lassociation-des-oulemas-musulmans-algeriens-reagit/

5 https://elwatan-dz.com/en-reaction-a-une-sequence-du-feuilleton-el-dama-la-television-publique-interpelee-par-larav

6 -ÄÄÄÄÄÄÄhttps://www.lepoint.fr/afrique/algerie-el-dama-la-serie-du-ramadan-qui-cartonne-et-qui-derange-03-04-2023-2514735_3826.php

7 https://www.jeuneafrique.com/1436323/politique/el-dama-la-serie-algerienne-entre-polemique-et-carton-daudimat/

8 https://information.tv5monde.com/afrique/algerie-le-succes-de-la-serie-el-dama-2308961

9 https://www.facebook.com/photo.php?fbid=598344645672769&set=a.458634196310482&type=3

10 على صفحة سلطة ضبط السمعي البصري، نستطيع قراءة هذه المداخلة للبروفيسور رضوان بوجمعة https://algeria-watch.org/?p=78283

11 https://www.algerie360.com/scene-polemique-du-feuilleton-eddama-le-realisateur-repond-a-larav-video/

12 قسم المخابرات والأمن .جهاز الشرطة السياسية الخاضعة للقيادة العسكرية العليا.

13 https://www.youtube.com/watch?v=4c7fK1yo17E