آفاق الولاية الثانية لدونالد ترامب

ألجيريا ووتش 06 أكتوبر 2024

شهدت الانتخابات الأمريكية، كما توقع العديد من المراقبين، فوز دونالد ترامب. ودون الخوض في تقييم أداء المرشحة كامالا هاريس، يبدو واضحاً أن الناخب الأمريكي أراد معاقبة الحزب الديمقراطي الذي فقد بوصلته الأخلاقية وافتقد لرؤية سياسية مقنعة، متأثراً بجو بايدن الذي لم يعد له مصداقية.

فقد الحزب الديمقراطي، الذي يسيطر عليه رموزه البارزون المتبعون لخط مركزي تحت التأثير المحافظ الجديد، مثل عائلتي كلينتون وأوباما، تأثيره على ناخبين يدركون أبعاد التهديد الفاشي الجديد الذي يمثله ترشح ترامب. ورغم الظروف الاقتصادية الجيدة نسبياً، والتي لم يشعر بها الجميع بشكل متساوٍ والتي كانت مثقلة بالتوترات التضخمية، امتنع العديد من الناخبين الموالين للحزب عن التصويت.

في الاخير، يمكن القول دون مجازفة، إنَّ فوز ترامب يشكل في الأساس رفضاً واضحاً للمؤسسة السياسية الديمقراطية.

لقد كان لخطاب دونالد ترامب، الذي يركز على تمجيد أمريكا الميثولوجية واعتبار المهاجرين أعداءً للازدهار والأمن القومي، تأثيراً كبيراً. وربما كون كامالا هاريس امرأة، فإن ذلك كان عائقاً أمامها، دون أن ننسى الانتقادات التي واجهتها خلال أزمة كوفيد ولعدم تمكن الإدارة التي كانت جزءاً منها من السيطرة على ارتفاع الأسعار والتضخم.

لم يكن للدعم الفاضح للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل من قِبَل إدارة بايدن تأثير على تعبئة عدد من الناخبين، وربما حتى لم يكن له دور في هذا الرفض الصارخ.

لا يوجد شك لدى المحللين الذين يدرسون الانتخابات الأمريكية منذ فترة طويلة بأن انتصار ترامب هو قبل كل شيء نتيجة لفشل الحزب الديمقراطي.

بالنسبة لبعض الأوساط، فإن التخلص من خيار « تقدمي » زائف قد يكون مرضياً، ولكن يبقى أن انتخاب ترامب، المعروف بعدائه للعرب ودعمه القوي للصهيونية، لا يوحي بأي تفاؤل بشأن منطقة غرب آسيا. ولا شك أن خطاب ترامب بعدم التدخل لن يصمد أمام مطالب اللوبي الصهيوني. وبعد فترة من السكون بعد الانتخابات، لا يُستبعد أن يُترجم الدعم المتجدد لجرائم تل أبيب إلى تدخل عسكري مباشر محتمل ضد إيران.

يحتفل المتطرفون الصهاينة بلا خجل بهذه الانتخابات، معتبرين أنها فرصة غير مسبوقة لتحقيق هدف « إسرائيل الكبرى » أو على الأقل إعادة تشكيل المنطقة عرقياً وطائفياً. في هذا السياق، ستصبح فلسطين، وخاصة غزة، الضحية الأولى لخيارات ترامب. وعلى الصعيد المحلي، من المرجح أن يعيد ترامب علاقاته السياسية والاقتصادية القديمة، خصوصاً في الرياض وأبو ظبي، وكذلك في الرباط حيث يمتلك صهره جاريد كوشنر، الذي لعب دوراً مهماً في اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، مصالح مالية.

السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان الرئيس ترامب سيحافظ على موقفه المناهض للحرب. هذه القضية هي بلا شك المصدر الرئيسي لقلق الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية.

لقد أكد ترامب مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية رفضه للتدخل العسكري للديمقراطيين وخشيته من اندلاع حرب عالمية بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا. وبناءً على تصريحاته المتكررة، قد تفقد كييف دعمها الرئيسي وقد تتحرر موسكو من الدور الشيطاني الذي صنعته آلة الدعاية الغربية.

ومع أن مثل هذا التغيير في السياسة قد يكون مطمئناً، إلا أنه يبقى افتراضياً، حيث أن ترامب، رغم تمتعه بهامش كبير من المناورة باعتباره ممثلاً شرعياً للأوليغارشية الأمريكية والمدعوم من جماعات ضغط قوية (مثل الإنجيليين والصهاينة)، سيتعين عليه مراعاة الاستراتيجيات التي وضعتها « الدولة العميقة »، التي تتشكل حول المجمع الصناعي العسكري، وول ستريت، والشركات المتعددة الجنسيات. وقد يُعين ماركو روبيو، أحد الشخصيات المتطرفة في الولايات المتحدة، وزيراً للخارجية، مما يعزز الجناح المناهض لروسيا والصهيوني المتشدد (والمؤيد للمخزن المغربي) في واشنطن.

ورغم أن الانعزالية التي يروج لها ترامب تطمئن الأوساط المتضررة من النزعة العسكرية الأمريكية، إلا أن هذا التوجه يقلق الحلفاء الآسيويين، خصوصاً كوريا الجنوبية واليابان، اللذين كانا يتمتعان بحماية المظلة النووية الأمريكية، مما يضطر هذه الدول إلى مراجعة مواقفها وعلاقاتها مع جيرانها. الا موقف ترامب المناهض للصين قد يخلق توازناً ما.

في هذه المنطقة من العالم أيضاً، قد يتلاشى الخطاب المناهض للحرب لصالح تصعيد تجاري مع بكين، مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات حول تايوان وبحر الصين الجنوبي.

أخيراً، ومن جهة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، فإن هذا الفوز يشكل تشجيعاً قوياً لليمين المتطرف الغربي، العنصري والمتفوق، الذي بدأ يتنامى منذ سنوات و قد يصل قريباً الى سدة الحكم في عدة دول أوروبية.

إن الوضع الدولي يشهد تصعيداً وتوترات متزايدة، حيث بدأت رقعة المناطق الداخلة في النزاع تتسع وتتشابك فيما بينها و قد يصبح الامر خارجاً عن للسيطرة.

إنَّ السياسة الغربية تجاه أوكرانيا والشرق الأوسط، وتوسيع منطقة اهتمام الناتو إلى آسيا، جميعها مؤشرات على تصاعد النزعة العدوانية للغرب، التي تعود بالأساس إلى تراجع هيمنته وظهور قوى سياسية واقتصادية منافسة له.

من وجهة نظر عربية وإسلامية، فإن انتخاب ترامب يثير القلق بشأن تدهور أوضاع الشعب الفلسطيني المستمرة، وزيادة الاضطرابات الإقليمية من غرب آسيا إلى المغرب. إن الخطط الإمبريالية الصهيونية تحمل في طياتها مخاطر على الدول والمجتمعات في هذه المنطقة الواسعة. ويبقى الامل قائماً في أن تتمكن المقاومة من مواجهة الاستعمار الصهيوني وأن تتوقف الديكتاتوريات العربية التابعة للإمبريالية عن قمع شعوبها وعن منع التضامن مع فلسطين.