الوطن » صحيفة هشة، صحفيون دون أجور و مساهمون غارقون في الريع »
عودة الاشهار العمومي للمساهمين و استمرار إضراب العمال و الصحفيين
رضوان بوجمعة, Algeria-Watch, 01.01.2023
عاد ت إدارةجريدة « الوطن » منذ بداية الأسبوع الجاري لتستفيد من ريع الاشهارالعمومي بمعدل صفحة واحدة و نصف الصفحةكل يوم ،وهذا في الوقت الذي يتواصل فيه إضراب أكثر من 100 عامل من عمالها بين صحفيين و صحفيات و مراسلين ومراسلات و إداريين و أعوان متعددو الخدمات من مجموع 129 موظفا في الجريدة.
بدأ هذا الاضراب بشكل متقطع و متدرج في شهر جويلية الفارط، ثم تم تجميده لإعطاء فرصة أخيرة للإدارةلإيجاد حل، و هو ما لم يحدث فدخل العمال في إضراب غير محدود منذ 16 سبتمبر الماضي،لتتواصلمعه معاناتهم وهم فيالشهر العاشر دون تلقي الأجور.
دعوى قضائية ضد النقابة و كسر الاضراب بأبناء و بنات وزوجات المساهمين
الأدهى في كل هذا، أنمجلس إدارة الجريدة، رفع دعوى قضائية في 19 أكتوبر الماضي ضد المضربين للحصول على حكم قضائييقضي بعدم شرعية الاضراب، كما اتخذت الادارة قرارا بكسر الاضراب من خلال دخول المساهمين الذين تقاعدوا بأجور خيالية للعودة لقاعة التحريركمتعاونين، و تجنيد بعض أبنائهم و بناتهم للغرض نفسه، بل و حتى بعض زوجاتهم، كما تم تعويضمصلحة الاشهارالموجودة في إضراب بوكالة الاشهار « أكوم » التيتسيرها إحدى المساهمات ،في عملية تثير كل التساؤلات حول حقوق العمال و الحق النقابي الذي تضمنه قوانين الجمهورية، و لا يعترف به مساهمو « الوطن » الذي جاء الكثير منهممن محيط حزب الطليعة الاشتراكية و من ايديولوجية تمجد العمال و حق الاضراب، فكيف تحول هؤلاء في مسارهممن صحفيين في القطاع العام و من حركة الصحفيين الجزائريين إلى أرباب عمل لا يعترفون بالحق النقابي وبحق الاضراب؟
فكرة اتفاق مجلس الادارة- الذي لم ينعقد منذ جوان الماضي المساهمين- على كسر الاضراب ليس جديدا في ثقافة الادارة ، فقد سبق لها التحالف مع إدارة جريدة اسعد ربراب « ليبرتي » من أجلتركيب و طبع الجريدة لكسر إضراب عمال « ليبرتي » عام 2017.
وكالة الاشهار تعطي الاشهار العمومي لجريدة لها ديون في الجباية و لا تدفع أجور عمالها
الوكالة الوطنية للنشر و الاشهار التي وقعت اتفاقا لتمويل « الوطن « بالإشهار العمومي هذا الأسبوع، لم تر أية ضرورة لإعلام الجمهور كيف و لماذا تم قطع الاشهار العمومي عن هذه الشركة في السنوات الأخيرة؟، و لماذا كانت هذه الجريدة بالذات مع شبيهاتها في تسعينيات القرن الماضي و بداية هذه الألفية من أكثر الجرائد حصولا على الاشهار؟ و لماذا عقد الاتفاق في هذا الوقت بالذات؟ و ما هي معايير الحصول على الاشهار و إيقافه؟ و ما هو المنطق الذي يتحكم في كل ذلك؟ وماذا حدث حتى يعقد هذا الاتفاق مع جريدة « الوطن » الآن و إضراب عمال هذه الجريدة يدخل شهره الرابع؟ و قبل هذا و ذاك كيف يمكن لشركة عمومية أن تعقد اتفاق إشهار مع صحيفة لها ديون لدى الجباية لا تقل عن5 ملايير سنتيم حسب تصريحات مدير الصحيفة ؟ بالإضافة إلى ديونها مع صندوق التأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء وغيرها من الديون.
ثم متىيتمكن الجزائريون و الجزائريات منحقهم في معرفة كيف تسير هذه الشركة الريع الاشهاري؟، خاصة ,انهسبق و أناتهم أحد مدراءها السابقين الكثير من إطاراتها بالفساد، و بأن توزيع الاشهار يتم عبر الولاء، بدليل ان جزء من هذه الملفات موجودة في جهاز القضاء. فهل ستزول هذه الضبابية في التسيير على حد قول الرئيس تبون في آخر خرجة إعلامية له في إطار تعهداته قبل نهاية عهدته في ديسمبر2024؟ وهو الذي لا يتوقف عن الدعوة إلى الرقمنةمن أجل إرساء الشفافية –كما يقول-، فهل سترقمن عمليات تمويلالاشهار العمومي للصحف الورقية و الالكترونية و يخبر الرأي العام بتفاصيل ذلك؟
في انتظار ذلك، كل شيء يقول أن عودة الاشهار لصحيفة « الوطن » له علاقة بممارسات موجودة منذ توقيف المسار الديمقراطي في جانفي -1992 إلى اليوم على الأقل وهو توزيع الريع الاشهاري وفق الولاء السياسي، وهو ما يبرز من خلال تصفح هذه الجريدة في الأسابيع الماضية منذ دخول صحافييها في هذا الاضراب المفتوح(أنظر نموذج بعض واجهات الصحيفة)، التيضمن تحرير غالبيتها الساحقة المساهمون المتقاعدون و الذينتكون قد أعادت بعضهملبداياتهم في الصحافة و الدعاية زمن صحافة الحزب الواحد و هم في نهاية العقد السادس و بداية العقد السابع من العمر.
الخط السياسي للجريدة و صراعات عصب النظام
الخط التحريري لجريدة « الوطن » بالرغم من بعض الاستثناءات القليلة في فترات ضغط من قبل بعض الصحفيين المهنيين فيها ، لم يخرج منذ تأسيسها من التموقع حول شبكات منظومة الحكمو عصبه على غرار غالبية الصحف، فالجريدة تم استخدامها مثلا مع جزء كبير منها لشن حملة ضد شخص رئيس الحكومةبلعيد عبد السلام منذ توليه إدارة قصر الدكتور سعدان في 19 جويلية 1992 إلى تنحيته في 21أوت 1993، فالحملة قادتها جزء من شبكات المصالح المتحالفة مع صناع القرار ضد بلعيد عبد السلام، الذي اكتشف أن رئيس الحكومة الذيسبقه–أي سيد أحمد غزالي-كان قد وزع الميزانية الخاصة بالقطاع الخاص تقريبا بشكل كلي إلى إسعد ربراب و بعض المقاولين الذين يسبحون في فلك بعض العصب في الحكم، فقام بلعيد عبد السلام بتوقيف استفادة هؤلاء مما تبقى من أموال، و قام بتأسيس جهاز خاص تابع لرئيس الحكومة له سلطة النظر في استعمال العملة الصعبة، خاصة و أن الجزائر كانت في حالة اختناق مالي بسبب تراكم خدمات الديون، كما بدأ في صياغة برنامج » اقتصاد الحرب » كما كان يقول لتفادي إعادة جدولة الديون مع صندوق النقد الدولي، وهو ما رفضه بعض المقاولين الخواص المتحالفين مع جزء كبير من عصب النظام، و النتيجة استمرار الحملة الاعلامية الشرسةو إضراب جزء من ناشري الصحف ضد قرارات بلعيد عبد السلامو حكومته الذي اتهمته جمعية الناشرين بالتضييق على حرية الصحافة، و كانت النهاية بإقالة حكومة بلعيد عبد السلام و تعويضها بالراحل رضا مالك، الذي ذهبت مباشرة بعد ذلك و كما أراد اصحاب القرارو جماعات المصالح إلى صندوق النقد الدولي لعقد اتفاق كانت تكلفته الاجتماعية باهضة، انتهت بتفكيك الكثير من الشركات العمومية و تسريح عشرات الآلاف من العمال بمباركة كل الطبقة السياسية و غالبية العناوين الاعلامية –من بينها الوطن طبعا- التي ساندت مسار السلطة و سياسة الاستئصال و الكل الأمني.
من تخوين بن بلة ومهري و آيت أحمد و علي يحيى إلى الحرب على بتشين و الدعاية لتبون
الحملة ضد شخص بلعيد عبد السلام و بغض النظر عن كل خياراته و أخطائه، لم تكن الحملة الوحيدة التي أظهرت تموقعمجلس إدارة الجريدة و غالبية مساهميها مع بعض عصب النظام ضد عصب أخرى، فالجريدة التي كانت تتقاسم هذا التوجه مع صحف أخرى مفرنسة و معربة، قادت حملة دعاية و كراهية كبيرة ضد شخصيات سياسية كانت تدعو للمصالحة و الحوار لوقف نزيف الدم و الحرب ضد المدنيين في تسعينيات القرنالماضي، فيمكن بالعودة لأرشيف الصحيفة قراءة تهم الخيانة و العمالة للخارج لشخصيات سياسية لها وزن في تاريخ الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار ، من حسين آيت أحمدإلى أحمد بن بلة و عبد الحميد مهري إلى علي يحيى عبد النور و غيرهم ممن كانوا يرون ان سياسة الكل الأمني خطر على المجتمع و تقضي على كل أمل في إرساء السلم المدني. كما أن الجريدة صفقت لكل سياسات النظام في فترة التسعينيات بحجة معاداة الاسلاميين، كما أنها كانت في قلب صراعات عصب النظام من الحملة ضد الجنرال محمد بتشين و رئيسه الجنرال اليمين زروال، إلىالتعتيم على تحركات المترشحين المنسحبين من رئاسيات أفريل 1999، بعدما اتفقت عصب النظام على فرض عبد العزيز بوتفليقة في قصر المرادية، كما أن الجريدة كانت في مقدمة المساندين لترشح علي بن فليس لرئاسة الجمهورية عام 2004 بعد أن ساندت جزء من عصب النظام على رأسهم الفريق محمد العماري هذا الترشح، وتقود معها حملة ضد شخصبوتليقة، لتعود مرة أخرى في حملة ضد العهدة الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة بعد أن رفضت عصب أخرى هذا الترشح على رأسها الفريق محمد مدين المدعو توفيق، وفي كل تلك السنوات كانت الجريدة غارقة في ريعالاشهار على غرار نظيراتها، من إشهار الوكالة الوطنية للاشهار، إلى الاشهار الخاص و إشهار الأوليغارشيا من شركات عبد المومن خليفة و اسعد ربراب و غيرها من الأسماء.
توقيف الاشهار عن الجريدة كان بعد ذلك لسنوات، إلى أن تم عقد هذا الاتفاق الأسبوع الماضي مع وكالة الاشهار العمومية، بعد أن دخلت الجريدة في حملة دعاية لصالح شخص عبد المجيد تبون.
استمرار منظومة إعلامية قائمة على الريعالاشهار والدعاية السياسية يهدد الدولة و لا يخدم حتى السلطة
مساهمو جريدة « الوطن » و ملاكها لا يختلفون عن غالية مدراء و ملاكالأجهزة الاعلامية الأخرى، لأن كل هؤلاء هم نتاجمنظومة إعلامية واحدة، منظومةمتأزمة قائمة على ثنائية الريع الاشهاريو الدعاية السياسية، وهو ما يستمر إلى اليوم، و لا توجد أية مؤشرات لتغيير هذه السياسة على المدى القريب أو المتوسط، رغم انهذه السياسة أثبتت إفلاسها و فشلها، فالسلطة لا زالت تصرف ملايير الدينارات لدعم أجهزة إعلامية فاقدة للمصداقية لدى الرأي العام و هي في الأول والأخير تقوم بالدعاية و التضليل بالأدوات نفسها الموجودة من عشريات من الزمن، رغم أن بنية الجمهور و ثقافته و البيئة التكنولوجية و العالمية تغيرت تغييرا كبيرا، لذلك كلهفكل المؤشرات تشجع على الذهاب نحو مسار جديد من أجل إحداث تغيير جذري لهذه المنظومة الاعلامية بهدف إحداث قطيعة تاريخية مع الدعاية و منطق الريع الاشهاري، القطيعة مع منظومة إعلامية تهدد الدولة و تضر النسيج الاجتماعيو لا تخدم حتى السلطة و رجالاتها، لأنها تعطي صورة رديئة عنهم وعن خطاباتهم.
تمويل الدعاية لا يبنيالدولة، يستأصل السياسة و يدفن مهنة الصحافة
و في انتظار أن يقتنع أصحاب القرار يوما ماأن هذه المنظومة الاعلامية مكلفة ماليا، فاقدة للمصداقية مهنيا، و عديمة الجدوى سياسيا، تتواصل معاناة الصحفيين و الصحفيات في « الوطن » و في غيرها من الأجهزة الاعلامية، صحفيون يعانون من العوز، و لا يفكرون لا في حرية الصحافة و لا في حق الجمهور في الاعلام بسبب منظومة إعلامية أنتجت طبقة من غالبية منمديري ومالكي المؤسسات الإعلامية الخاصة يتمتعون بثراء فاحش بفضل ريع الإشهار ، وعدم دفع ملايير الدينارات من ديون المطابعو الجباية وغيرها، في ظل غياب نقابة قوية تدافع عن المهنة و عن حقوق الصحفيين و الصحفيات.
و قبل هذا وذاك تستمر السلطة في صرف ملايير الدينارات على هذه الأجهزة الاعلامية دون حسيب و لا رقيب لدعممنظومة إعلامية عديمة المصداقية و التأثير ، فإلى متى يستمر تبديد المال العام لتمويل الدعاية التي لا تبني الدولةو تستأصل السياسة و تدفن مهنة الصحافة؟