تجاوزات وتعذيب في زمن الحراك الجزائري: حالة كمال العرباوي

A.T., Algeria-Watch, 24 août 2021

كمال العرباوي أحد الحراكيين الذين اعتقلوا بعنابة في الأسابيع الأولى من شهر جويلية 2021 و هولا ينتمي لأي تنظيم سياسي لكن كالعديد من المواطنين يناضل من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية في الجزائر.

ظل كمال العرباوي يمارس حقه في التعبير، ملتزما بالسلمية واللاعنف. ولكن للأسف، لم ينج من القمع الوحشي الأعمى الذي تمارسه السلطة القائمة من خلال أجهزتها الأمنية ضد كل المواطنين المتظاهرين سلمياً.

وفي سعيه من أجل الكرامة، يعتبر كمال العرباوي أحد المواطنين القلائل الذين تقدموا بشكوى ضد عضو من الاستعلامات العامة (RG) لممارسته العنف ضد المعتقلين.

يبلغ كمال العرباوي من العمر 40 سنة وهو بدون عمل. وقد شارك بنشاط دؤوب منذ الساعات الأولى لانطلاق الحراك في عنابة، مسقط رأسه. وفي الأجواء المتوترة لحملة انتخاب عبد المجيد تبون، حرص النظام للحد من الاحتجاج الشعبي قدر الإمكان، وعمل على تشديد القمع، وحشد قوات الأمن من أجل مهاجمة متظاهري الحراك السلمي بكل وحشية.

وكان كمال العرباوي أحد ضحايا هذه التجاوزات غير المقبولة. ولا شيء كان يشير إلى أن يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2019 سينتهي بوحشية لا مبرر لها. فكما جرت العادة قبل كل مظاهرة توجه كمال العرباوي في الصباح إلى ساحة الثورة، أحد الأماكن المشهورة في عنابة وهي رمز للحراك قصد الالتحاق بالاعتصام لرفض الانتخابات الرئاسية. وفي لحظة اجتيازه للشارع، توجّه نحوه شخص، ومن دون سابق انذار أو أدنى مبرر، لكمه بعنف فأسقطه أرضا. وهو مرمي على الأرض، انهال عليه ضربا بوحشية وعلى مرأى ومسمع من المارة. ثم قام بالدوس على رأسه وهو ملقا على الأرض، موجّها له عدة ضربات بعنف شديد.

ويدعى الشخص المعتدي وليد نعمون، وهوعنصر في الاستعلامات العامة (RG).

ولم يكن يدرك كمال العرباوي ما حصل له وهو يقطر دما وقد تكسّرت نظاراته.

ثم اقتيد كمال العرباوي على متن سيارة شرطة على يد وليد نعمون وزملائه من الأمن إلى مقر مديرية الأمن المركزي.

وعند وصوله حاول بعض عناصر الشرطة ملاطفته وطلبوا منه نسيان الحادث. وأجريت له مقابلة مع رئيس أمن الولاية قمر زمان بوبير، أول مسؤول الشرطة، وطلب منه عدم تهويل الأمر.

كان كمال العرباوي في حالة صدمة، مصابا بالذهول جراء تلقيه عدة ضربات، وهو في حالة ضعف شديد نقل إلى مستشفى ابن رشد.

وأمام خطورة الإصابات، قرّر الطبيب أن يجري له فحصا بالأشعة بواسطة الماسح. ودون انتظار نتائج الفحص، أعاده رجال الأمن إلى مركز الشرطة لاستجوابه لساعات قبل الإفراج عنه.

ولقد عانى كثيرا جراء تلك المحنة المزدوجة، من عنف أعمى و استنطاق سخيف.

ثم رجع كمال العرباوي إلى مستشفى ابن رشد لعله يعرف نتيجة الفحصات وهناك علم أنه مصاب بثلاثة كسور في جبهته، وبجروح في العمود الفقري، وبارتجاج في المخ، بالإضافة إلى كدمات وأورام في الرأس وباقي الجسم.

وأمام حالته الصحية الخطيرة، قرّر الفريق الطبي إبقاء كمال العرباوي تحت المراقبة طوال تلك الليلة في المستشفى. ولقد لاحظ أفراد عائلته وأقاربه الذين حضروا لزيارته، وجود عناصر الأمن في مدخل المستشفى.

و إثر هذا الاعتداء المروّع قرّر الطبيب منحه ثلاثين يومًا من العجز عن العمل. وما زال كمال العرباوي يعاني إلى يومنا هذا من آلام مزمنة في الرقبة والرأس. وهو يعاني من اضطرابات نفسية جراء الصدمة، فضلا عن أن ذكرى الاعتداء تمنعه من النوم.

وفي اليوم التالي 14 نوفمبر 2019 انتقل إلى مستشفى ابن رشد لاستلام ملفه الطبي. وهناك علم أن الملف قد اختفى في ظروف غامضة. لكن أصر كمال العرباوي على مقابلة الطبيب الشرعي للحصول على نسخة من ملفه الطبي وتم له ذلك. وفي أعقاب ذلك باشر فورا في إجراءات تقديم شكوى ضد الشرطي وليد نعمون الذي اعتدى عليه. وتقدم كمال العرباوي بنفسه على مدى يومين على التوالي، 17 و 18 نوفمبر 2020 ، إلى مركز الشرطة لعله يجد من يستمع إليه ويتكفل بأمره ولكن بدون جدوى. وبعد ساعات من الانتظار، فهم أخيرًا أن شكواه لن يتمكن من تقديمها لدى شرطة عنابة. عندها توجّه إلى محكمة عنابة لتقديم شكواه أمام قاضي التحقيق. فطلب منه هذا الأخير تزويده باسم وعنوان الشرطي المعتدي، فاجأ هذا الطلب المحامين لأن المصالح القضائية هي التي تجري تحقيقا لتحديد هوية المعتدي وعنوان إقامته. ولذلك اضطر كمال العرباوي إلى رفع دعوى مدنية أمام قاضي التحقيق بمحكمة عنابة للمضي قدمًا في شكواه.

و بهذا أصبح كمال العرباوي هدفا لأجهزة الأمن إلى أن اعتقل يوم 18 أكتوبر 2020 بتهمة نشر فيديو على فيسبوك مباشرة من مرسى الميناء استنكر فيها تقاعس حرس السواحل الجزائرية لإسعاف الحراڨة. وتم اقتياده من طرف الشرطة برفقة متظاهرين آخرين إلى مركز الشرطة ليطلق سراحهم على الساعة الثالثة صباحًا.

وفي اليوم التالي عاد كمال العرباوي إلى المرسى للاستفسار عن أسر الحراڨة. وبينما كان جالسا في مقهى قريب من المكان، أوقفه رجال أمن بلباس مدني ونقلوه على متن سيارة سكودا بيضاء.

بعد ذلك اقتيد إلى مقر الدرك بعنابة أين حبس لمدة ثلاثة أيام منع خلالها من الاتصال بأقاربه أو محاميه.

وفي 3 نوفمبر 2020 أصدرت محكمة عنابة حكمها بالحبس ستة أشهر نافذة بتهمة:

  • إهانة هيئة نظامية.

  • نشر معلومات قد تضر بالمصلحة الوطنية.

  • التدخل بدون حق في عمل السلطات العمومية.

  • التحريض على التجمهر غير المسلح.

وبعد استئناف الحكم خفضت العقوبة إلى ثلاثة أشهر، وأطلق سراحه يوم 20 جانفي 2021.

و مع إصرار كمال العرباوي على إبقاء شكواه ضد الشرطي وليد نعمون الذي اعتدى عليه، كان عليه أن يواجه العديد من المناورات القانونية. على سبيل المثال، مُنعت محاميته من مشاهدة فيديو مراقبة ساحة الثورة الاعتداء ، موقع الاعتداء. وما يزيد الأمر خطورة ، أن المدعي العام لم يأخذ في الاعتبار إلا شهادة ضابط الشرطة فصدم الجميع بتخليه عن دوره كمحامي للمجتمع و وقوفه في صف الجاني. بالإضافة إلى ذلك، كان على كمال العرباوي، الذي لم يتلقَّ أي استدعاء بخصوص مواعيد الجلسات، أن يتنقل شخصيا إلى محكمة عنابة لضمان متابعة قضيته.

و للإشارة لم تذكر قضية كمال العرباوي في وسائل الإعلام أبدا وباتت تؤجل باستمرار. وحسب آخر المعلومات حددت جلسة المحاكمة ليوم 14 يونيو 2021.

وفي انتظار ذلك، كان كمال العرباوي، الذي يتعافى بصعوبة من محنته، يتعرض لشتى الضغوط؛ والتهديدات، مجهولة المصدر أحيانا، وفي بعض الأحيان تصدرها الشرطة علنًا. أما الذي اعتدى عليه، الشرطي وليد نعمون ، فما زال يمارس عمله في عنابة.

وفي 10 جويلية 2021 قامت كتيبة من الدرك باعتقال كمال العرباوي من منزله بالتزامن مع اعتقال حراكيين آخرين في عنابة. ففي غضون أيام قلائل، تم اعتقال 7 أشخاص وهم :

بلال تريكي، عزو بلوصيف، عبد القادر طويل، عبد المؤمن بن تركي، كمال العرباوي، إبراهيم بوسمينة، فتيحة داودي.

يبدو أن أجهزة المخابرات، كما حصل في وهران، بصدد الإعداد لتكوين ملف ما يسمى بشبكة إرهابية في ولاية عنابة.

امتثل كمال العرباوي أمام وكيل نيابة الحجار (عنابة) في 15 جويلية، وتم وضعه رهن الحبس المؤقت.